ساعة الندم
اجتمع الرجال الخمسة حول جثمان أبيهم المسجى فوق منصة غسل الموتى... يتأملون ذلك الوجه الأبيض النحيل الذي تكسوه لحية ذات شعيرات قليلة متباعدة.. وجه بهي صقله ماء الوضوء وصلاة القيام في جوف الليل فأصبح كأنه طبق مزخرف براق من الفضة.
ذلك الوجه ألفه أئمة الحرم والمتسابقون إلى الصف الأول للمرة الأولى منذ ستين عاماً يرتفع الأذان منادياً للصلاة ويمتد إلى أطراف المدينة النبوية دون أن يجيبه ذلك الرجل الصالح فيتوضأ ويرتدي ثوبه المطيب بالمسك ويسوك فاه الذي لم يعرف بذئ القول وفحشه وأكل لحوم الناس ثم يتوجه إلى الحرم.
سيبكي هذا الرجل الطيب.. الطريق الذي كان يقطعه كل يوم ليؤدي الصلوات الخمس في الحرم ستبكيه السجادة التي كان يحب الجلوس والصلاة عليها قرب المحراب، وسيبكيه صديقه العجوز الذي يجلس بجانبه في حلق العلم ويتنافس معه على حفظ القرآن الكريم، ولكن هل سيبكيه أبناؤه الخمسة الذين أتوا اليوم من أصقاع الدنيا كي يصلوا على أبيهم ويودعوه الوداع الأخير بعد فراق سنوات طويلة.
خمس رجال خرجوا من المدينة قبل سنين طلباً للرزق.. تزوجوا وأصبحوا آباءً.. أمدهم اللّه بأموال طائلة لم يكن نصيب أبيهم منها إلا ريالات قليلة يرسلها بعضهم إليه من حين لآخر وقد تمر الثلاثة والأربعة شهور دون أن يسأل أحدهم عنه بالهاتف.
خمسة رجال... إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة، لا ينقصهم بهاء الوجه ولا قوة البدن ولا العلم ولا الثقافة... ولكن ينقصهم شيء في قلوبهم، ساد المكان صمت رهيب لم يقطعه إلا خرير الماء المتساقط على جسد الأب، غاسل الموتى يطيب الجثمان ويلبسه الكفن.. أوشك الرجل على الانتهاء من تجهيز الميت، حاول الرجل جاهداً أن يخفي تأثره البالغ خلف ستار الجلد ولكنه لم يفلح.. رفع يديه إلى أعلى وقال بصوت مرتجف متقطع: رحمه اللّه... كان رجلاً صالحاً.. لم يؤذ أحداً من الناس قط.. اللهم ارحم غربته وكبر سنه ووهن عظمه.. اللهم ارحم حبه لك وخشيته منك وشوقه إليك... اللهم اجعل القرآن الذي حمله في صدره أنيسه في قبره.. اللهم أسكنه داراً خيراً من داره (ثم نظر الرجل إلى أبناء الرجل وقال) وأبدله أهلاً خيراً من أهله.. تحشرج صوت الرجل وتعثرت الكلمات على لسانه فلم يكمل الدعاء..
وعندها.... انفجر الرجال بالبكاء.-
مما راق لى واحببت ان انقله لكم
لازورد الحنان
اجتمع الرجال الخمسة حول جثمان أبيهم المسجى فوق منصة غسل الموتى... يتأملون ذلك الوجه الأبيض النحيل الذي تكسوه لحية ذات شعيرات قليلة متباعدة.. وجه بهي صقله ماء الوضوء وصلاة القيام في جوف الليل فأصبح كأنه طبق مزخرف براق من الفضة.
ذلك الوجه ألفه أئمة الحرم والمتسابقون إلى الصف الأول للمرة الأولى منذ ستين عاماً يرتفع الأذان منادياً للصلاة ويمتد إلى أطراف المدينة النبوية دون أن يجيبه ذلك الرجل الصالح فيتوضأ ويرتدي ثوبه المطيب بالمسك ويسوك فاه الذي لم يعرف بذئ القول وفحشه وأكل لحوم الناس ثم يتوجه إلى الحرم.
سيبكي هذا الرجل الطيب.. الطريق الذي كان يقطعه كل يوم ليؤدي الصلوات الخمس في الحرم ستبكيه السجادة التي كان يحب الجلوس والصلاة عليها قرب المحراب، وسيبكيه صديقه العجوز الذي يجلس بجانبه في حلق العلم ويتنافس معه على حفظ القرآن الكريم، ولكن هل سيبكيه أبناؤه الخمسة الذين أتوا اليوم من أصقاع الدنيا كي يصلوا على أبيهم ويودعوه الوداع الأخير بعد فراق سنوات طويلة.
خمس رجال خرجوا من المدينة قبل سنين طلباً للرزق.. تزوجوا وأصبحوا آباءً.. أمدهم اللّه بأموال طائلة لم يكن نصيب أبيهم منها إلا ريالات قليلة يرسلها بعضهم إليه من حين لآخر وقد تمر الثلاثة والأربعة شهور دون أن يسأل أحدهم عنه بالهاتف.
خمسة رجال... إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة، لا ينقصهم بهاء الوجه ولا قوة البدن ولا العلم ولا الثقافة... ولكن ينقصهم شيء في قلوبهم، ساد المكان صمت رهيب لم يقطعه إلا خرير الماء المتساقط على جسد الأب، غاسل الموتى يطيب الجثمان ويلبسه الكفن.. أوشك الرجل على الانتهاء من تجهيز الميت، حاول الرجل جاهداً أن يخفي تأثره البالغ خلف ستار الجلد ولكنه لم يفلح.. رفع يديه إلى أعلى وقال بصوت مرتجف متقطع: رحمه اللّه... كان رجلاً صالحاً.. لم يؤذ أحداً من الناس قط.. اللهم ارحم غربته وكبر سنه ووهن عظمه.. اللهم ارحم حبه لك وخشيته منك وشوقه إليك... اللهم اجعل القرآن الذي حمله في صدره أنيسه في قبره.. اللهم أسكنه داراً خيراً من داره (ثم نظر الرجل إلى أبناء الرجل وقال) وأبدله أهلاً خيراً من أهله.. تحشرج صوت الرجل وتعثرت الكلمات على لسانه فلم يكمل الدعاء..
وعندها.... انفجر الرجال بالبكاء.-
مما راق لى واحببت ان انقله لكم
لازورد الحنان